كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واللؤلؤ قيل: كبارُ الجوهر. والمَرْجانُ صغاره، وقيل بالعكس، وأنشدوا قول الأعشى:
مِنْ كلِّ مَرْجانةٍ في البحرِ أَحْرَزها ** تَيَّارُها ووقاها طِيْنَها الصَّدَفُ

أراد اللؤلؤةَ الكبيرةَ. وقيل: المَرْجان حجرٌ أحمرُ. وقيل: حجرٌ شديد البياض، والمَرْجانُ أعجميُّ. قال ابن دريرد: لم أسمَعْ فيه فعلًا متصرفًا. واللؤلؤ بناءٌ غريبٌ، لم يَرِدْ على هذه الصيغة إلاَّ خمسةُ ألفاظٍ: اللُّؤلُؤ، والجُؤْجُؤ وهو الصَّدْر، والدُّؤْدُؤُ، واليُؤْيُؤُ لطائر، والبُؤْبؤ بالموحَّدتين، وهو الأصلُ. واللؤلؤُ بضمتين والهمز هو المشهورُ، وإبدال الهمزةِ واوًا شائعٌ فصيحٌ وقد تقدَّم ذلك.
وقرأ طلحة {اللُّؤْلِىءُ} بكسر اللام الثالثة، وهي لغةٌ محفوظةٌ. ونَقَل عنه أبو الفضلِ {اللُّؤْلِيْ} بقَلْبِ الهمزة الأخيرة ياءً ساكنة كأنه لَمَّا كسَر ما قبل الهمزة قلبها ياءً استثقالا. وقرأ أبو عمرو في رواية {يُخْرِجُ} أي الله تعالى. ورُوِي عنه أيضًا وعن ابن مقسم {نُخْرِجُ} بنون العظمة. واللؤلؤُ والمَرْجان في هاتين القراءتَيْن منصوبان.
{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)}.
قوله: {الجوار}: العامَّة على كسرِ الراء لأنه منقوصٌ على مَفاعِل، والياءُ محذوفةٌ لفظًا لالتقاءِ الساكنين. وقرأ عبد الله والحسن وتُروَى عن أبي عمروٍ {الجَوارُ} برفع الراء تناسيًا للمحذوف ومنه:
لها ثنايا أربعٌ حِسانُ ** وأربعٌ فثَغْرُها ثَمانُ

وهذا كما قالوا: (هذا شاكٌ) وقد تقدَّم تقريرُ هذا في الأعراف عند قوله: {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41].
قوله: {المنشئات} قرأ حمزةُ وأبو بكر بخلافٍ عنه بكسرِ الشينِ بمعنى: أنها تُنْشِىءُ الموجَ بجَرْيِها، أو تُنْشِىء السيرَ إقبالًا وإدبارًا، أو التي رَفَعَتْ شُرُعَها أي: قِلاعَها. والشِّراع: القِلْع. وعن مجاهد: كلما رَفَعتْ قِلْعَها فهي من المُنْشَآت، وإلاَّ فليسَتْ منها. ونسبةُ الرَّفْع إليها مجازٌ كما يقال: أنْشَأتِ السحابةُ المطرَ. والباقون بالفتح وهو اسمُ مفعول أي: أنشأها اللَّهُ أو الناسُ، أو رفعوا شُرُعَها. وقرأ ابن أبي عبلة {المُنَشَّآت} بتشديد الشين مبالغةً. والحسنُ {المُنْشات} بالإِفراد، وإبدالِ الهمزة ألفًا وتاءٍ مجذوبة خَطًَّا فأْفَردَ الصفةَ ثقةً بإفهام الموصوف الجمعيةَ، كقوله: {أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25] وأمَّا إبدالُه الهمزةَ ألفًا، وإن كان قياسُها بينَ بينَ فمبالَغَةٌ في التخفيف، كقوله:
إنَّ السِّباعَ لَتَهْدَا في مَرابِضِها

أي: لتهدَأ. وأمَّا كَتْبُها بالتاءِ المجذوبة فإتباعًا للفظها في الوصلِ. و{في البحر} متعلقٌ بالمُنْشِئات أو المنشَآت. ورسمُه بالياء بعد الشين في مصاحفِ العراقِ يُقَوِّي قراءة الكسرِ ورَسْمُه بدونِها يُقَوِّي قراءة الفتح، وحَذَفُوا الألفَ كا تُحْذَفُ في سائر جمع المؤنث السالم. و{كالأَعْلام} حالٌ: إمَّا من الضميرِ المستكنِّ في {المُنْشَآت}، وإمَّا مِنْ {الجوار} وكلاهما بمعنىً واحد. والأَعلام: الجبالُ جمعُ عَلَم. قال:
رُبَّما أَوْفَيْتُ في عَلَم ** تَرْفَعَنْ ثوبي شَمالاتُ

{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)}.
وقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}: غَلَّبَ مَنْ يَعْقِلُ على غيره، وجميعُهم مُرادٌ. والضميرُ في {عليها} للأرضِ. قال بعضُهم: وإنْ لم يَجْرِ لها ذِكْرٌ كقوله: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32]. وقد رُدَّ على هذا القائلِ وقالوا: بل تَقَدَّم ذِكْرُها في قوله: {والأرض وَضَعَهَا} [الرحمن: 10].
{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)}.
قوله: {ذُو الجلال}: العامَّةُ على {ذو} بالواو صفةً للوجه. وأبَيٌّ وعبدُ الله {ذي} بالياءِ صفةً ل {ربِّك} وسيأتي خلافٌ بين السبعةِ في آخر السورة إنْ شاءَ الله تعالى.
{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)}.
قوله: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات}: فيه وجهان: أحدهما: هو مستأنفٌ. والثاني: أنه حالٌ مِنْ {وَجْه} والعاملُ فيه {يَبْقَى} أي: يَبْقَى مَسْؤولًا مِنْ أهلِ السماواتِ والأرضِ.
قوله: {كُلَّ يَوْمٍ} منصوبٌ بالاستقرار الذي تضمَّنه الخبرُ وهو قوله: {في شَأْنٍ} والشَّأْنُ: الأَمْرُ.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)}.
قوله: {سَنَفْرُغُ}: قرأ {سَيَفْرُغُ} بالياءِ الأخَوان أي: سَيَفْرُغُ اللَّهُ تعالى. والباقون من السبعة بنون العظمة، والراءُ مضمومةٌ في القراءتَيْن، وهي اللغةُ الفُصْحى لغة الحجازِ. وقرأها مفتوحة الراء مع النونِ الأعرجُ، وتحتمل وجهَيْن، أحدهما: أَنْ تكونْ مِنْ فَزَغَ بفتحِ الراء في الماضي، وفُتِحت في المضارع لأَجْلِ حرفِ الحَلْقِ. والثاني: أنه سُمِعَ فيه فَرِغَ بكسرِ العينِ، فيكون هذا مضارعه وهذه لغةُ تميمٍ. وعيسى بن عمر وأبو السَّمَّال {سَنِفْرَغُ} بكسر حرفِ المضارعةِ وفتحِ الراءِ. وتوجيهُها واضحٌ مِمَّا تقدَّم في الفاتحة قال أبو حاتم: وهي لُغَةُ سُفْلى مُضَرَ. والأعمش وأبو حيوةَ وإبراهيمُ {سَنِفْرَغُ} بضم الياء مِنْ تحتُ مبنيًا للمفعولِ. وعيسى أيضًا بفتح نونِ العظمةِ وكسرِ الراء. والأعرجُ أيضًا بفتح الياء والراء. ورُوي عن أبي عمروٍ. وقد تقدَّم قراءة {أيها} في النور. والفَراغُ هنا استعارةٌ. وقيل: هو القَصْدُ. وأُنْشِد لجرير:
ألانَ وقد فَرَغْتُ إلى نُمَيْرٍ ** فهذا حينَ كُنْتُ لهمُ عَذابًا

وأنشد الزجاج:
فَرَغْتُ إلى العبدِ المقيَّدِ في الحِجْلِ

ويَدُلُّ عليه قراءة أُبَيّ {سَنَفْرُغُ إليكم} أي: سَنَقْصِدُ إليكم. و{الثَّقَلان}: الجن والإِنس لأنهما ثَقَلا الأرضِ. وقيل: لثِقَلِهم بالذنوب. وقيل: الثَّقَلُ: الإِنسُ لشَرَفَهم. وسُمِّيَ الجنُّ بذلك مجازًا للمجاورة. والثَّقَل. العظيم الشريف. وفي الحديث: «إني تاركٌ فيكم ثَقَلَيْن كتابَ الله وعِتْرتي».
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)}.
قوله: {فانفذوا}: أمرُ تعجيزٍ: والنُّفوذُ: الخروج بسرعة وقد تقدَّم في أولِ البقرة: أنَّ ما فاؤُه نونٌ وعينُه فاءٌ يَدُلُّ على الخروج كنَفَق ونَفَرَ. و{إلاَّ بسُلْطان} حالٌ أو متعلِّقٌ بالفعلِ قبلَه. وقرأ زيد بن علي {إنْ اسْتَطَعْتما} خطابًا للثَّقَلَيْن، وحَقُّه أَنْ يمشيَ على سَنَنٍ واحدٍ فيَقرأ {أنْ تَنْفَذا لا تنفُذان} والعامَّةُ جعلوه كقوله: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] إذ تحت كلِّ واحدٍ أفرادٌ كثيرةٌ وقد رُوْعي لفظُ التثنية في قوله بعدُ: {يُرْسَلُ عليكما} فلا تبعدُ قراءة زيدٍ.
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)}.
قوله: {شُوَاظٌ}: قرأ ابن كثير بكسر الشين. والباقون بضمِّها، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ. والشُواظُ: قيل: اللَّهَبُ معه دُخانٌ. وقيل: بل هو اللهبُ الخالِصُ. وقيل: اللَّهَبُ الأحمرُ. وقيل: هو الدخانُ الخارجُ مِن اللهَب. وقال رؤبة:
ونارَ حَرْبٍ تُسْعِرُ الشُّواظا

وقال حسان:
هَجَوتُكَ فاخْتَضَعْتَ لها بذُلٍّ ** بقافِيَة تَأَجَّجُ كالشُّواظِ

و{يُرْسَلُ} مبنيٌّ للمفعولِ؛ وهو قراءة العامَّةِ. وزيد بن علي {نُرْسِلُ} بالنونِ، {شواظًا} و{نُحاسًا} بالنصب. و{مِنْ نار} صفةٌ لشواظ أو متعلِّقٌ ب {يُرْسَلُ}.
قوله: {ونُحاس} قرأ ابنُ كثير وأبو عمروٍ بجرِّه عطفًا على {نارٍ}، والباقون برفعِه عطفًا على {شُواظ}. والنحاس قيل: هو الصُّفْرُ المعروفُ، يذيبه اللَّهُ تعالى ويُعَذِّبهم به. وقيل: الدخان الذي لا لَهَبَ معه. قال الخليل: وهو معروفٌ في كلامِ العرب، وأنشد للأعشى:
يُضيْءُ كضَوْءِ سراجِ السَّلِيْ ** طِ لم يَجْعَلِ اللَّهُ فيه نُحاسا

وتُضَمُّ نونُه وتُكْسَرُ، وبالكسرِ قرأ مجاهد وطلحة والكلبي. وقرأ ابن جندب {ونَحْسٌ} كقوله: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} [القمر: 19] وابن أبي بكرة وابن أبي إسحاق {ونَحُسُّ} بضم الحاء والسين مشددةً من قوله: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} [آل عمران: 152] أي: ونقتلُ بالعذاب. وقرأ ابن أبي إسحاق أيضًا {ونَحَُِسٍ} بضمِّ الحاء وفتحِها وكسرِها، وجرِّ السين. والحسن والقاضي.
{ونُحُسٍ} بضمتين وجرِّ السين. وتقدَّمَتْ قراءة زيدٍ {ونُحاسًا} بالنصب لِعَطْفِه على {شواظًا} في قراءته.
{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)}.
قوله: {فَإِذَا انشقت}: جوابُه مقدرٌ أي: رأيت هَوْلًا عظيمًا، أو كان ما كان.
قوله: {وَرْدَةً} أي: مثلَ وَرْدَةٍ فقيل: هي الزهرة المعروفة التي تُشَمُّ، شَبَّهها بها في الحُمْرة، وأنشد:
فلو كُنْتُ وَرْدًا لَوْنُه لعَشِقْنَني ** ولكنَّ ربي شانَني بسَواديا

وقيل: هي من لَوْنِ الفَرَسِ الوَرْد، وإنما أُنِّثَ لكونِ السماءِ مؤنثةً. وقال الفراء: أراد لونَ الفرسِ الوَرْدِ، يكون في الربيع إلى الصفرة، وفي الشتاء إلى الحُمْرة، وفي اشتدادِ البَرْدِ إلى الغُبْرة، فشبَّه تلوُّنَ السماءِ بتلَوُّنِ الوَرْدَةِ من الخيل. وقرأ عبيد بن عمير {وَرْدَةٌ} بالرفع. قال الزمخشري: بمعنى: فَحَصَلَتْ سماءٌ وردةٌ، وهو من الكلام الذي يُسَمَّى التجريدَ، كقوله:
فَلَئِنْ بَقِيْتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوةٍ ** تَحْوِي الغنائمَ أو يموتَُ كريمُ

قوله: {كالدهان} يجوز أن يكونَ خبرًا ثانيًا، وأَنْ يكونَ نعتًا لوردة. وأَنْ يكونَ حالًا من اسم (كانت). وفي {الدِّهان} قولان، أحدُهما: أنه جمعُ دُهْن نحو: قُرْط وقراط، ورُمْح ورِماح، وهو في معنى قوله: {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} [المعارج: 8].
وهو دُرْدِيُّ الزَّيْتِ. والثاني: أنه اسمٌ مفردٌ، فقال الزمخشري: اسمُ ما يُدْهَنُ به كالجِزام والإِدام وأنشد:
كأنَّهما مَزادَتا مُتَعَجِّلٍ ** فَرِيَّانِ لَمَّا تُدْهَنا بدِهان

وقال غيرُه: هو الأديمُ الأحمرُ، وأنشد للأعشى:
وأَجْرَدَ مِنْ كِرامِ الخَيْلِ طِرْفٍ ** كأنَّ على شَواكِله دِهانا

أي: أديمًا أحمرَ، وهذا يَحْتمل أنْ يكونَ جمعًا. ويؤيِّده ما أنشده منذرُ بنُ سعيد:
يَبِعْنَ الدِّهانَ الحُمْرَ كلَّ عَشِيَّةٍ ** بموسِمِ بَدْرٍ أو بسُوْقِ عُكاظِ

فقوله (الحُمْرَ) يؤيِّدُ كونَه جمعًا، وقد يُقال: هو كقولهم: (أهلك الناسَ الدينارُ الحُمْرُ والدرهمُ البِيْضُ)، إلاَّ أنَّه خِلافُ الأصلِ. وقيل: شُبِّهَتْ بالدِّهانِ، وهو الزَيْتُ لذَوْبِها ودَوَرانِها، وقيل: لبَريقِها.
{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)}.
قوله: {فَيَوْمَئِذٍ}: التنوينُ عِوَضٌ من الجملةِ، أي: فيومَ إذ انشَقَّت السَّماءُ. والفاء في {فيومئذٍ} جوابُ الشرط. وقيل: هو محذوفٌ، أي: فإذا انشَقَّتِ السماءُ رَأَيْتَ أَمْرًا مَهُولًا، ونحو ذلك. والهاءُ في {ذَنْبه} تعودُ على أحد المذكورِيْن. وضميرُ الآخرِ مقدرٌ، أي: ولا يُسْأَل عن ذنبِه جانٌّ أيضًا. وناصبُ الظرفِ {لا يُسأَلُ} و(لا) غيرُ مانعةٍ. وقد تقدَّم خلافُ الناسِ فيها في الفاتحة. وتقَدَّمَتْ قراءة {جأَنّ} بالهمز فيها أيضًا.
{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)}.
وقرأ حماد بن أبي سليمان {بسِيْمائِهم} بالمدِّ. وتقدَّم الكلامُ على ذلك في آخر البقرة.
قوله: {فَيُؤْخَذُ بالنواصي} (يُؤْخَذُ) متعدٍّ، ومع ذلك تَعَدَّى بالباء؛ لأنه ضُمِّنَ معنى يُسْحَبُ، قاله الشيخ. وسحب إنما يُعَدَّى ب (على) قال تعالى: {يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ} [القمر: 48] فكان يَنْبغي أَنْ يقول: ضُمِّنَ معنى يُدَعُّوْن، أي: يُدْفَعون. وقال مكي: إنما يُقال: أَخَذْتُ الناصِيةَ وأخَذْتُ بالناصية. ولو قلت: أَخَذْتُ الدابَّةَ بالناصيةِ لم يَجُزْ. وحُكي عن العرب: أَخَذْتُ الخِطامَ، وأَخَذْتُ بالخِطام بمعنى. وقد قيل: إنَّ تقديرَه: فيُؤْخَذُ كلُّ واحدٍ بالنَّواصي، وليس بصوابٍ، لأنه لا يَتَعَدَّى إلى مفعولَيْنِ أحدُهما بالباء، لِما ذكَرْنا. وقد يجوز أَنْ يتعدَّى إلى مفعولَيْنِ أحدُهما بحرفِ جرّ غيرِ الباء نحو: أَخَذْتُ ثوبًا من زيد.
فهذا المعنى غيرُ الأولِ، فلا يَحْسُن مع الباء مفعولٌ آخرُ، إلاَّ أَنْ تجعلَها بمعنى: مِنْ أَجْل، فيجوزُ أن تقول: أَخَذْتُ زيدًا بعمروٍ، أي: مِنْ أجلِه وبذنبِه. انتهى. وفيما قاله نَظَرٌ، لأنك تقول: أَخَذْتُ الثوبَ بدرهمٍ، فقد تعدَّى بغير (مِنْ) أيضًا بغير المعنى الذي ذكره.